ثلاثية رونالدو تُشعل ليالي الرياض: النصر يكتسح ريو آفي 4–0
كان هواء المساء الرطب في لشبونة يلتصق بعشب الملعب بينما تقسم الأضواء الكاشفة المستطيل الأخضر إلى مسرحٍ حقيقي. في المدرجات، امتزجت ألوان الأصفر الذهبي لمشجعي النصر مع وجوه برتغالية جاءت بدافع الفضول، فالتحدي وديّ على الورق، لكن حين وطأت أقدام كريستيانو رونالدو أرض الملعب في مواجهة ريو آفي، تحوّل الأمر إلى أمسية مشحونة — عودة إلى الديار بملامح جديدة، وفرصة للبرتغاليين كي يشاهدوا ابنهم الأسطوري مرتدياً قميص الرياض.
من صافرة البداية، تحرّك رونالدو بجوعٍ واضح. عيناه تمسحان الملعب باستمرار، يقرأ المدافعين كما يقرأ لاعب شطرنج محترف خصمه. في الدقيقة السادسة، وصلته الكرة عبر عرضية أرضية حادة من أوتافيو، فبلمسة واحدة فقط تجاوز مدافعه، ثم أطلق تسديدة قوية بقدمه اليمنى مزقت الشباك. تعالت الصيحات، ليس فقط من جمهور النصر، بل حتى من البرتغاليين الذين هتفوا له منذ أيامه الأولى في سبورتنغ لشبونة.
حاول ريو آفي، الرافض أن يكون مجرد خلفية لعرض رونالدو، أن يضغط ويهاجم بشراسة. لمدة ربع ساعة بدوا منظمين وخطرين، لكن الفاصل جاء في الدقيقة 28. استلم تاليسكا الكرة من منتصف الملعب، لمح رونالدو ينطلق على طريقته المعتادة، وأرسل تمريرة مثالية بين قلبَي الدفاع. رونالدو قابلها في عز سرعته، دون تردد أو لمسة إضافية، مسجلاً الهدف الثاني بلمسة مميتة في الزاوية اليسرى للحارس.
مع نهاية الشوط الأول، بدا لاعبو ريو آفي غاضبين، إذ انهارت محاولاتهم للحفاظ على تماسكهم أمام الضغط المتواصل. دفاع النصر، بقيادة إيمريك لابورت، كان صلباً، مما أتاح للهجوم حرية التحرك بلا قيود.
وفي الدقيقة 62، جاء الهدف الثالث — اللحظة الأجمل في الأمسية. من ركنية نفذها بروزوفيتش، ارتقى رونالدو فوق الجميع كما لو أننا عدنا إلى 2014. اصطدمت الكرة برأسه بقوة ودقة، واستقرت في المقص الأيسر. ثلاثية. احتفل النجم البرتغالي بطريقته المعتادة، «سيووو»، التي ترددت أصداؤها في أرجاء الملعب.
بعدها، تحولت المباراة إلى استعراض مهاري. وفي الدقيقة 74، راوغ ساديو ماني مدافعاً بلمسة فنية، وأحرز الهدف الرابع للنصر. النتيجة على اللوحة كانت 4–0، لكن الفارق في الإيقاع والثقة كان أكبر من ذلك بكثير.
عند صافرة النهاية، صافح رونالدو لاعبي الفريقين وعانق بعض زملاء الأمس في الدوري البرتغالي، مبتسماً كرجل يذكّر الجميع — وربما نفسه — بأن شعلة الإبداع ما زالت مشتعلة. قد تكون المباراة ودية، لكنها كانت رسالة واضحة: حتى في أواخر الثلاثينيات من عمره، ما زال كريستيانو قادراً على فرض إيقاعه على أي مباراة.
انتهت الليلة بأصوات جماهير النصر وهي تهتف بالعربية والبرتغالية معاً، أهازيج امتدت في شوارع لشبونة. وتحت ضوء الكشافات الخافت، غادر رونالدو الملعب وهو يحمل كرة المباراة تحت ذراعه، بطلاً لا يزال يتصدر المشهد في أعرق حكايات كرة القدم.
